لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير }[3]
واعلم يا حاطب انك اردت ان تتخذ باذاعة سر رسول الله يد عند قريش يحمون بها مالك وولدك اعلم انه (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة) يوم القيامة يفصل بينكم كما قال تعالى { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } [المؤمنون/101] وقال تعالى { فإذا جاءت الصاخة } [عبس/33] { يوم يفر المرء من أخيه } [عبس/34] { وصاحبته وبنيه } [عبس/36] { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه }[عبس/17]
فاولادك الذي انت من اجلهم اذعت سر رسول الله لن ينفعوك يوم القيامة ولا شك ان كل مؤمن احرص ما يكون على ما ينفعه يوم القيامة فاذا علمت ان اولادك لن ينفعوك يوم القيامة اذا لا تحرص عليهم
(يفصل بينكم ) يوم القيامة ولذلك لما نزل قوله تعالى على النبي عليه الصلاة والسلام{ وأنذر عشيرتك الأقربين }[الشعراء/214] نادى عليه عليه الصلاة والسلام باعلى صوته (يا عباس عم النبي يا عباس عم النبي اعمل ما شئت فاني لا اغني عنك من الله شيء يا صفية عمة النبي اعملي ما شئت فاني لا اغني عنك من الله شيء يا فاطنة بنت محمد ساليني من مالي ما شئت فاني لا اغني عنك من الله شيء)
و { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون }[سبا/37]
(والله بما تعملون بصير) يعني وسيجزيكم باعمالكم خيرها وشرها { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } [الزلزلة/7] { ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } [الزلزلة/8]
ثم امر الله المؤمنين ان يتأسوا بابيهم إبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه
قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير } [4]
(قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه)والذين آمنوا معه الذين اتبعوه وصدقوه واتبعوا النور الذي انزل معه
(إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم)إذ تبرؤوا من قومهم لما كفروا بما جاءهم من الحق
(ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا) الا في حالة واحدة تنقطع بينكم وبيننا العداوة والبغضاء وتصير مودة ومحبة واخوة وهي( حتى تؤمنوا بالله) وحده
فينبغي ان تقتدوا بابيكم ابراهيم في ذلك لانكم مأمرون باتباع ملته { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين }[النحل/123] ولما امر الله تعالى بالتأسي بابراهيم عليه السلام في برائته من الكافرين لو كانوا من الاقربين استثنى استغفار ابراهيم لابيه فقال سبحانه (إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك )
هذه ليست لكم فيها اسوة لا ابو ابراهيم مات كافرا والاستغفار للكافر لا يجوز
اذن لماذا استغفر سيدنا ابراهيم لابيه { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } [التوبة/114]
{ قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا } [مريم/46] { قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا }[مريم/47]
فهذا وعد وعد به ابراهيم اباه فوفى له ولما تبين له انه عدو لله وذلك بموته على الكفر تبرأ منه
اذن استغفار ابراهيم لابيه ليس داخلا في جملة التأسي
(وما أملك لك من الله من شيء ) انا استغفر هل املك ان ربنا يغفر لك ام لا ليس بيدي فالاستغفار للكافر والمشرك لو كان ابا او اخا او ابنا لا يجوز
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } [التوبة/113]
والاية نزلت في حق النبي عليه الصلاة والسلام مع عمه ابي طالب لما اتاه في مرض الموت وقال له (يا عمي قل لا اله الا الله كلمة احاج لك بها عند الله )وكان جالسا هناك اسياد قريش كابو جهل وابو لهب فقالوا اترغب عن ملة عبد المطلب قال لا بل على ملة عبد المطلب
ومات على ملة عبد المطلب فدخل النار فحزن النبي عليه الصلاة والسلام على موت عمه على كفر والشرك وقال والله يا عمي لاستغفرن لك ما لم انهى عن ذلك فانزل الله قوله { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } [القصص/56] فالاستثناء متصل الا قول ابراهيم لابيه ليس لكم فيه استثناء
ثم دعى ابراهيم والذين معه (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) والمرجع والمآب والمنتهى
ربنا عليك توكلنا وفوضنا امورنا واسلمنا لك انفسنا واليم انبنا ورجعنا واليك المرجع يوم القيامة
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم }[5]
(ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا )قالوا في تفسيرها لا تنصرهم علينا فنكون فتنة لهم يقولون لو كانوا على الحق ما انتصرنا عليهم
فكيف هم على الحق ونحن على الباطل وننتصر عليهم ما انتصرنا عليهم الا لكوننا على الحق وهم على الباطل فتكون انتصار الكافرين زيادة فتنة لهم
(واغفر لنا ربنا)ذنوبنا وخطايانا
(إنك أنت العزيز الحكيم )الذي لا يغلب الحكيم المنزه عن اللهو والعبث
ثم يؤكد الله تبارك وتعالى على التأسي بابراهيم عليه السلام والذين معه فيقول
لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد } [6]
(ومن يتول) يعني ان يعرض (فإن الله هو الغني)له الغنى المطلق والغنى التام لا يكون الله الا غنيا
ثم لما اشتدت الاية على الصحابة وقطعوا صلتهم باهلهم واقاربهم وابائهم وابناءهم واخوانهم فتح الله لهم باب الامل والرجاء قال تعالى
عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم }[7]
(عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة)فكان عهدا على الله عز وجل ان يزيل العداوة والبغضاء وان يحل محلها المحبة والمودة وقد كان فخرج عليه الصلاة والسلام الى مكة وفتحها ودخل الناس في دين الله افواجا وصاروا اخوانا للمؤمنين من الانصار والمهاجرين وزالت العداوة والبغضاء وحلت محلها المحبة والمودة فكانت هذه الاية معجزة من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام
(والله قدير والله غفور رحيم)
ثم لما نهى الله المؤمنين عن موالاة الكافرين ولو كانوا اقربين اذ لهم في البر وحسن العشرة وحسن المعاملة والاكرام والصلة والهدية فالموالاة شيء وحسن العشرة والمعاملة شيء اخر يعني اكرامك للكافر برّك للكافر احسانك للكافر حسن معاشرتك له هذا لا يستلزم الموالاة فقد عرفنا الموالاة في اول الدرس بنى عمل من اعمال القلوب معناها المودة القلبية والمحبة القلبية يحبهم ويحب لهم الخير ويحب لهم النصر حتى على المسلمين هذه الوالاة التي نهينا عنها
لكن تبغضه وتعاديه وتكرهه في الله عز وجل ومع ذلك من عظمة الاسلام يقول لك عدوك هذا لا تهينه وتاذيه وتسبه وان سالمك لا ان سالمك سالمه
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } [8]
الله سبحانه وتعالى قال في حق الوالدين { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } [لقمان/15] والدان مشركان كافران يدعوان الى الشرك ربنا قال لا تطعهما ومع ذلك لا تسئ عشرتهما
عن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنه قالت (قدمت علي امي في عهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي راغبةفي فترة صلح الحديبية من سنة 6 الى سنة 8 في هذه الفترة ام اسماء جاءت من مكة الى المدينة تزور ابنتها اسماء وهي كافرة وطامعة ان ترجعها ابنتها بزوادة او هدية ولكن اسماء لم ترضى ان تبرّ امها او تحسن اليها الا اذا سالت الرسول (ان امي قدمت وهي راغبة افأصل امي )قال (نعم صلي امك)وفيها نزلت الاية ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)
فالكفار قسمان مسالمون ومحاربون فمن سالمنا سالمناه واكرمناه وبررناه واحسنا اليه
وغير المسلمين الذين يعيشون على ارضنا وفي وطننا لا شك انهم مسالمون فلهم البر والاحسان والكرم والقسط بنص الاية
وفي الحديث عن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما انه دخل على اهل بيته وقد ذبحوا شاة فقال اهديتم لجارنا اليهودي قالوا لا قال ابعثوا اليه منها فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورث) اما الكفار المحاربون فليس من العقل ولا من المنطق ولا من الفترة فضلا عن الدين ان واحدا يضربك على خدك وتقول له هذا خدي الثاني تفضل
{ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون }[9] والظلم ظلمان ظلم اكبر وظلم اصغر كما قال البخاري ظلم دون ظلم
الظلم الاكبر هو الكفر والشرك قال الله تعالى{والكافرون هم الظالمون } [البقرة/254] وقال { إن الشرك لظلم عظيم }[لقمان/13]
وارتكاب الحرام ظلم للنفس ارتكاب المحظور ظلم للنفس ترك المامور ظلم للنفس ولذلك لما اكل الابوان من الشجرة{ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين }[الاعراف/23]
فقوله تعالى (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)اذا كانت الولاية قلبية يحبهم من قلبه ويتمنى لهم الخير ورفع الراية والنصر على المسلمين فهذا ظلم اكبر وان كان دون ذلك فانه ظلم اصغر